بورتريه: جهاد عبد المنعم .. صانع الفرح لجماهير نادي الوحدات
كان المعشوق رقم واحد لدى جماهير نادي الوحدات وما يزال، فهو صانع الفرح في اللحظات العصيبة، يعرف كيف يراقص شباك الخصوم ويقود فريقه للإنتصارات، من لمسة كان ينهي مباراة، وصفه الخبراء بأنه موهوب بالفطرة وهدّاف لا يتكرر في تاريخ كرة القدم الأردنية.
جهاد عبد المنعم هدّاف نادي الوحدات ومنتخب الأردن هو حديث بورتريه لهذا اليوم، ومن لا يعرف جهاد فهو بكل تأكيد لم يقرأ تاريخ الكرة الأردنية وتاريخ نادي الوحدات الذي برع معه بأهدافه الحلوة.
استطاع جهاد عبد المنعم أن يجعل من الرقم الذي حمله خلف قميصه "21" الرقم المحبب لجماهير نادي الوحدات، والرقم الذي يتمنى أي لاعب في نادي الوحدات أن يرتديه لأنه باختصار رقم جهاد عبد المنعم.
ويدين جهاد عبد المنعم بالفضل بعد الله إلى الأستاذ المرحوم سليم حمدان الذي كان سبباً مباشراً في حكاية مجده التي كتبها مع نادي الوحدات حينما رفض انتقاله إلى فريق كشافة الرصيفة وأخفى في جيبه بطاقة انتقاله بعدما أدرك برؤيته بأن التضحية بجهاد عبد المنعم فيه خسارة كبيرة لنادي الوحدات.
ومن مدارس وكالة الغوث كانت بداية انطلاقته، حيث لعب مباريات عديدة كشفت عن سحر موهبته التهديفية، فما كان من مدرسي التربية الرياضية عطا موسى وعيسى نايف إلا أن طلبا منه سرعة الإنضمام لنادي الوحدات، ولمعت بذهنه الفكرة، فناد الوحدات كان بطلاً للدوري في تلك الفترة وحلم أي لاعب أن يرتدي قميص المارد الأخضر، ففعلاً انضم له في العام 1981.
ورغم رغبة جهاد باللعب للوحدات، إلا أن بُعد المسافة بين الرصيفة التي يسكنها ونادي الوحدات أصابه بالإرهاق في وقت كان فيه نادي كشافة الرصيفة يرى النور، حيث أراد الإنتقال له لكنه المرحوم سليم حمدان رفض ذلك، فبقي جهاد وحداتياً.
واستطاع جهاد عبد المنعم ومن اللمسة الأولى أن يقنع المدير الفني للوحدات آنذاك اليوغسلافي فويا بموهبته التهديفية بعدما حضر له إحدى المباريات، ليصطحبه لمعسكر الفريق في يوغسلافيا وهنالك كان جهاد يزيد من قناعة فويا بقدراته.
وانضم جهاد عبد المنعم للفريق الأول وهو في عمر الورود (16 عاماً)، رغم أن الفريق في ذلك الوقت كان يضم كوكبة من النجوم البارعين ككابتن الكباتن خالد سليم ومصطفى أيوب ومظفر جرار والحارس الفذ باسم تيم، لكن جهاد بموهبته استطاع أن يجعل له مكانا تحت الشمس.
ومع بداية العام 1984 بدأ نجم جهاد عبد المنعم يسطع، حيث كانت مباراة الأهلي في الدوري هي الأول له وفيها سجل هدفاً، ومع مضي الوقت كان يشكل مع شقيقه هشام عبد المنعم ثنائياً متناغماً، فالأول يسجل والثاني يصنع حيث كانا يحفظان تحركات بعضهما البعض داخل الملعب عن ظهر قلب، ليجسدا حكاية (الشقيقين) الرائعين داخل المستطيل الأخضر.
كان أهم ما يميز جهاد حسه التهديفي المرهف، يعرف أين يقف، ومتى يحاور، ومن أين يسدد، وكثير من الخبراء أكد بان هذه الأهداف لا يسجلها سوى جهاد عبد المنعم، فقد كان يسجل من الممرات الضيقة، ليشكل بموهبته ناقوس الخطر لأي حارس مرمى سواء على صعيد الوحدات أو منتخب الأردن الذي انضم إليه في العام 1988 وبرع معه.
وعُرف عن جهاد بأنه كثير الإعتراض على قرارات الحكم مما جعله فريسة للعقوبات بسبب عصبيته الزائدة وغيرته على فريقه ومنتخب بلاده ، فكان شديد الكره للخسارة حتى لو كان الطرف المقابل منتخب البرازيل، وهذه العصبية كادت أن تنهي مستقبله الكروي عندما شطب عام 1990 من سجلات الإتحاد، ولكنه بعد ذلك حصل على على عفو من العقوبة ليعود في العام 1991 بشوق جارف لجماهيره التي لم تحب لاعبا كما أحبت جهاد عبد المنعم، ولينال في هذا الموسم لقب هداف الدوري برصيد 15 هدفاً.
لم تكن علاقة جهاد بجماهير الوحدات عادية أوعلاقة عابرة بل كانت علاقة قائمة على الحب الجارف والعشق المتبادل، وكان بزمانه نجم الشباك الأول والأكثر شعبية من بين أقرانه اللاعبين.
ولعل سر العلاقة التي جمعت جهاد مع الجماهير يكمن بالأهداف التي كان يسجلها جهاد ولا يسجلها أحداً سوى جهاد، ولهذا كان المعشوق الأول لجماهير نادي الوحدات.
وحكاية هذا الجهاد مع منتخب الأردن معروفة لدى محبيه، حيث مثله في بطولة كأس العرب عام 1988، ولعل هدفه الذي سجله في مرمى منتخب الجزائر ما يزال عالقاً بأذهان كل من عاصر كرة القدم الأردنية بذلك الوقت، فهو الهدف الأغلى بمسيرة نجمنا لهذا اليوم، لماذا هو الأغلى؟.
بالعودة لشريط المباراة أمام منتخب الجزائر التي حظيت بحضور جماهيري كبير تقدم الأردن بهدف نارت يدج لكن منتخب الجزائر نجح في تسجيل هدف التعادل في مرمى ميلاد عباسي، فارتبك منتخب الأردن وحزنت الجماهير التي ملأت استاد عمان الدولي بعدما اعتقدت بأن فرحة الفوز تبخرت، لكن دقيقة واحدة كل ما احتاجه جهاد لإعادة الفرح الأردني عندما تابع الكرة المرسلة من يوسف العموري مسجلا هدف الفوز لمنتخب الأردن في مرمى الحارس الجزائري آنذاك شاطرجمال، لتعم الأفراح الكبيرة في مدرجات ستاد عمان، وحدثت حالات إغماء بين الجماهير فرحة بهذا الفوز التاريخي، ليدخل جهاد تاريخ الكرة الأردنية من أوسع الأبواب.
ولأن حبه للوحدات ولجماهيره كان يفوق أموال الدنيا حيث عصر الإنتماء والوفاء، رفض جهاد فرصة العمر بالإحتراف مع السد القطري بعدما تلقى عرضاً عندما خطف الأضواء في العام 1989 بالتصفيات الآسيوية فسجل في السد القطري والرشيد العراقي وتوج هدافاً للتصفيات متفوقا على نجوم عرب كبار من أمثال العراقي أحمد راضي والقطري منصور مفتاح.
وتعرض نجمنا للعديد من الإصابات بحكم مركزه وقسوة المدافعين في الحد من خطورته، لكنه كان دائماً يصر على العودة متحاملاً الأوجاع ولعل (براغي) البلاتين ما تزال شاهدة على قسوة الإصابات التي كان يتعرض لها، ليواصل المشوار ويشارك الوحدات احتكاره للألقاب وبخاصة في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وسجل جهاد على امتداد مسيرته مع الوحدات والتي امتدت لنحو 16 عاما، 117 هدفاً، منها 72 ببطولة الدوري و17 بكأس الأردن و9 بدرع الإتحاد، و3 بكأس السوبر، وأحرز 16 هدفاً بالبطولات العربية والآسيوية التي كان يشارك فيها الوحدات.
واتخذ جهاد القرار الصعب عليه وعلى جماهير نادي الوحدات عندما أعلن في العام 1997 قراره النهائي باعتزال كرة القدم وهو في عمر الثلاثين عاماً حيث كان ما يزال قادرا العطاء.
واختار جهاد عبد المنعم فريق الأهلي ليكون طرفاً في مباراة اعتزاله كون أول مباراة رسمية لعبها مع الوحدات كانت أمام الأهلي وفيها سجل هدفاً، وأبى جهاد أن يودع الملاعب بلا ذكريات حلوة كالمعتاد.
وفي مباراة الوداع الحزينة سجل جهاد عبد المنعم هدفاً ودع فيه محبيه أجمل وداع، ويومها امتلأت مدرجات الملعب بصورة غير معهودة في مباريات الإعتزال حيث أرادت الجماهير أن تعبر عن مدى عشقها لنجم الشباك الأول، وبلغت قيمة ريع المباراة 70 ألف دينار أردني وهو مبلغ كبير في ذلك الزمن وشهدت المباراة مشاركة نجوم عرب من أمثال حسام حسن وأحمد شوبير.
جهاد عبد المنعم، القناص والهداف، حكاية ليست ككل الحكايات، فلجماهيريته حكاية، ولأهدافه حكاية، ولتاريخه ونجوميته حكاية، ولهذا استحقت هذه الحكاية.. كل هذه الرواية.


Rate this posting:
{[['
'],['
']]}
Rate this posting: 

{[['
']]}

0 التعليقات :
إرسال تعليق